لفتت كوكبة من المتسابقين في سباق فرنسا للدراجات انتباه أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في أحد أيام الصيف بجنوب فرنسا قبل عشر سنوات.
وأثار منظر المتسابقين المتقدمين إعجاب الأمير فأتصل بمتسابق الدراجات البلجيكي الشهير ايدي ميركس وطلب منه تنظيم سباق مماثل في البلد الخليجي.
ومن هنا بدأت حالة عشق للرياضة توجت بنجاح ذلك البلد الصغير فيما اعتبره كثيرون مستحيلا.. الفوز بعرض رائع لتنظيم نهائيات كأس العالم لكرة القدم 2022.
لكن لا يبدو أن هناك نهاية لطموح قطر الجريء في عالم الرياضة. فبثقة صنعها الفوز بتنظيم كأس العالم لكرة القدم بدأت لدى هذا البلد رغبة لا حدود لها في استضافة الأحداث الرياضية الكبرى.
والشهر الماضي أطلقت قطر بالفعل عرضها لاستضافة الألعاب الاولمبية 2020. كما تقدمت بالفعل بعرض لاستضافة بطولة العالم لألعاب القوى 2017 وعبرت عن الاهتمام باستضافة المرحلة الافتتاحية لسباق فرنسا للدراجات في 2016.
وكل هذا تعززه رعاية قطر لعدد كبير من الأحداث والفرق الرياضية.
فالخطوط الجوية القطرية المملوكة لحكومة البلاد كانت هي شركة الطيران الرسمية لسباق فرنسا هذا العام. كما اشترت شركة استثمارية تابعة لقطر في وقت سابق هذا العام حصة قدرها 70 بالمئة من نادي باريس سان جيرمان الفرنسي لكرة القدم في صفقة لم يكشف النقاب عن قيمتها المالية.
كما حصلت شبكة الجزيرة التلفزيونية ومقرها الدوحة مؤخرا على حصة من حقوق البث التلفزيوني المحلي لمباريات الدوري الفرنسي خلال الفترة بين 2012 و2016. ودفعت الشبكة 90 مليون يورو (129 مليون دولار) مقابل كل عام من الأعوام الأربعة نظير بث مباشر لمباراتين كل أسبوع من مباريات الدوري الفرنسي وحقوق أخرى في نفس الإطار خلال سنوات العقد.
وكل هذا حدث في توقيت مثالي.
وقال ديفيد روبرتس نائب مدير المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومقره الدوحة "من خلال منح القطريين وخاصة صغار السن منهم المزيد من الاطلاع على الرياضة وجلب أفضل نجوم الرياضة في العالم إلى قطر فإن النخبة في قطر يعملون ببساطة على تعزيز شعبيتهم على المستوى المحلي وهذا أمر مفهوم."
وعلى عكس جيران في الخليج لم تمر قطر بالقلاقل التي عصفت بالمنطقة في الشهور الماضية. ولأنها البلد الذي يتمتع مواطنوه بأعلى نصيب للفرد من الدخل القومي سنويا في العالم ويقدر بنحو 90149 دولارا فإنها تملك القدرة على الإنفاق ببذخ على عروض لاستضافة الأحداث الرياضية.
ويرجح أن تنفق قطر نحو مئة مليار دولار لاستضافة كأس العالم 2022. وأنفقت قطر بالفعل 2.8 مليار دولار لاستضافة الألعاب الاسيوية في 2006.
وارتبط اسم أمير قطر بالرياضة فحث على توفير المنشآت الرياضية في أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات إلى جانب استضافة البلاد لكأس العالم لكرة القدم تحت 20 عاما بعد توليه السلطة في 1995. وتحول الأمر بعد ذلك إلى استراتيجية مدروسة.
وقال شادي حميد مدير الأبحاث في مركز بروكنجز بالدوحة "اندفاع قطر نحو الرياضة والمبادرات الأخرى الموجهة للشباب ساعدت على تعزيز شعبية الحكومة وساعدت على التواصل بينها وبين الجيل الجديد من القطريين.
وأضاف "عرض استضافة كأس العالم بالإضافة إلى العديد من الأحداث الرياضية والتعليمية والثقافية الأخرى أظهر الحكومة القطرية ككيان نشيط ومبدع في صورة تناقض تماما الأنظمة العربية الأخرى."
ومثلما هو الحال في البلاد المجاورة فإن عملية صنع القرار ترجع للأمير ومجموعة صغيرة من أعضاء الأسرة الحاكمة بوجود مجلس وزراء ومجلس شوري غير منتخب يعملان على تقديم النصح رغم وجود مجلس بلدي واحد منتخب.
ويمكن لدرجات الحرارة أن تصل إلى 50 درجة مئوية خلال الصيف - رغم أن الحرارة تقل كثيرا خلال الشتاء - وهو ما لا يجعل من قطر مركزا لمنافسات الدراجات. لكن الشيخة مياسة ابنة الأمير نظمت سباقا للدراجات للسيدات في 2009. وأصبح هذا السباق الآن حدثا سنويا.
وقال ديرك ديبرو منظم السباق "سباق السيدات بيان سياسي من الشيخة مياسة لتظهر أن قطر بلد منفتح ومتحرر ويمكن للسيدات فيه مثلما للرجال ممارسة الرياضة. يظهر هذا عدم وجود قيود على الرياضة في قطر."
وأضاف "تريد قطر أن تصبح بلدا تحتل فيه الرياضة مكانة مهمة. تريد أن تقوم بهذا من أجل الشباب وللمساعدة في حل مشاكل السمنة والمشاكل الصحية. العائلة المالكة بأسرها تحب رياضة الدراجات."
ورغم أن أعظم نجاح كان بلا شك الفوز باستضافة كأس العالم 2022 فإن قطر مرت ببعض الخسائر في الطريق. وخسرت قطر محاولتها لاستضافة الألعاب الاولمبية الصيفية 2016 والتي ستقام في ريو دي جانيرو بعد أن أصر القطريون على استضافة الدورة في أكتوبر تشرين الأول. وتسعى قطر الآن لاستضافة الألعاب الاولمبية وسمح المسؤولون الاولمبيون لها بتغيير المواعيد لتجنب حر الصيف الشديد.
وتعد قطر حليفة مقربة من الولايات المتحدة وتوجد بها قاعدة عسكرية أمريكية ضخمة وهي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم واستحوذت على الاهتمام العالمي مؤخرا من خلال سلسلة من الصفقات الشهيرة مثل شراء متجر هارودز في لندن.
ومن شأن تعزيز صورة قطر كمستضيف للرياضة الحديثة أن يساعد خطط البلد من أجل بناء مستقبل بدون الغاز.
وقال راجافان سيتارامان الرئيس التنفيذي لبنك الدوحة "السياحة الرياضية واحدة من المجالات الأساسية من أجل التنوع بشكل عام. إنها استراتيجية بالنسبة لهم. الصورة الأكبر هي وجود تنوع لديهم.. تنوع يأتي من مصادر متعددة. لقد استثمروا مليارات في منشآت رياضية وستصنع نهائيات كأس العالم 2022 زخما أكبر. يمكنهم الوصول لما بعد 2022 لو امتلكوا الطريق الصحيح من خلال السياحة الرياضية."
وقال أحمد عبد الله النعيمي رئيس الهيئة العامة للسياحة القطرية في مقابلة مع رويترز "إنهم (العائلة الحاكمة) مغرمون بالرياضة. لهذا السبب ذهبوا من أجل كأس العالم 2022. إنه شيء لم يسبق لأحد في المنطقة القيام به."
وتابع "وليس هذا فقط من أجل الدوحة.. إنه من أجل المنطقة كلها. سيرى الناس الشرق الأوسط بطريقة مختلفة.. ليس فقط كمنطقة صراع ومشكلة سياسية بل كمكان يقدم شيئا مختلفا."